البحث عن يسوع المفقود 2 عقلية المسيا
آندي بانيستر، 2002
أرحب بمراستلك لي باللغة الأنجليزية على عنواني andybannister(at)mac.com
اقرأ المقالة السابقة في هذه السلسلة
خلاصة موجزة:
في المرة السابقة، مهدنا لموضوع يسوع بتقديم اقتراح إلى المسلمين وهو أنهم إذا كانوا يرغبون في القول إنهم يكرمونه، فيلزمهم، إذا أخذوا بالحسبان نقص معلومات القرآن عنه، أن يصرفوا بعض الوقت في البحث عن يسوعهم المفقود ـ عن طريق التوصل إلى فهم حياته وخدمته كما دونتها روايات العهد الجديد.
تطلعنا أيضا إلى جانب رئيسي من فهم يسوع لذاته ـ أي حقيقة أنه اعتبر نفسه فريداً بصورة مطلقة؛ لا مجرد واحد من سلسلة الأنبياء، بل اعتبر أنه بالحقيقة نسيج وحده. وقد أظهرنا هذا بالنظر إلى واحد فقط من الأمثال التي رواها يسوع. ولكي نؤكد تلك الفكرة مرة أخرى، نقول، لكي نفهم يسوع، لا يكفي أن نقتبس آية من هنا وآية من هناك محاولين إثبات نقطة معينة. إذا كنت لا تجتهد كي تفهم كل تعاليم يسوع الناصري وأفعاله وخدمته، فمهما فكرت فيه وأيا حسبته فإنك إنما تبني قصوراً في الهواء. إن انتقاء الآيات بغاية اثبات وجهة نظر معينة وهي أن "يسوع كان مسلماً صالحاً" ليس هو الطريق إلى دراسة يسوع. وبالحقيقة ثمة سبب وجيه يجعل كل المحاولات، الداعية إلى اعتباره مسلماً صالحاً، تبؤ بالفشل وهو أن يسوع لم يكن يعتبر نفسه كذلك.
من كان يسوع بحسب رأيه هو؟
فإذا لم يعتبر يسوع نفسه مجرد نبي آخر، أي واحد في سلسلة تمتد من آدم إلى محمد، فكيف فهم نفسه من هو؟ ما المقولات التي استخدمها ليشرح أفعاله وتعاليمه وخدمته؟ الجواب، في مستوى معين بسيط. لقد فهم يسوع أنه مسيا (المسيح، وهي الكلمة التي يستخدمها القرآن) اسرائيل. إلا أن البساطة تنتهي هنا. لأن القول بأن يسوع هو المسيا يقود ببساطة إلى سؤال آخر؛ "ماذا يعني المسيح بالفعل؟" من المؤسف أن كثيرين من المسلمين لم يعيروا هذا الأمر أدنى اهتمام. ولكنه أساسي لفهم هوية يسوع الناصري. لا يتلقى المسلمون أي عون من كون القرآن لم يحاول أن يبذل أي محاولة، لتحديد ما معنى المسيح، أولمناقشة ماذا يعني لشخص ما أن يكون هو المسيح، أو ماذا عنى يسوع بهذا التعبير.
لتقصي الجواب عن هذا السؤال المركزي بخصوص يسوع، يلزمك ان تقوم ببعض التنقيب.
ما يدعو إلى ذلك هو أنه عندما استخدم يسوع تعبير "المسيا" إنما كان يشير إلى محتوى رواية يهودية قديمة جداً؛ وهي قصة كونت ووجهت ودفعت أمة إسرائيل التي كان يسوع واحداً من أبنائها. إنها تتحدث عن الله الذي خلق العالم، ووضع الجنس البشري فيه، ووجه الرجال والنساء لكي يحققوا أغراضه. ويمكن القول، أن هذه القصة اليهودية المدونة في العهد القديم هي أقدم قصة على الإطلاق!! فلفهم يسوع يلزم بالحقيقة فهم الخليقة نفسها، يلزمك أن تفهم تلك القصة التي كان يسوع، كأي يهودي صالح عاش في القرن الأول، ضليعا فيها من دون شك؛ كانت تلك قصة مروية في الكتاب المقدس اليهودي (ما نسميه العهد القديم)، وكانت تُمثَّل بصورة درامية في الأعياد والاحتفالات، ويحتفل بها في الهيكل وفي المجامع؛ إنها قصة تبدأ في البدء.
في البدء...
تبدأ القصة اليهودية عن علاقة الله بالعالم في بداية الكتاب المقدس، أي في كتاب التكوين. توجد في القرآن ظلال هذه القصة، ولكن شأنها هناك كشأن قصة يسوع إذ أن جوانبها الأساسية غائبة من رواية القرآن ـ وربما كان ذلك السببَ الذي جعل المسلمين يجاهدون في كثير من الأحيان ليكتشفوا من جديد يسوعهم المفقود، لأن القطع الرئيسية في أحجية الصورالمقطوعة لا توجد في القرآن. يلزمك بالأحرى أن ترجع بخاصة إلى تكوين 1-3 لتبدأ بفهم خلفية ما عناه يسوع عندما تحدث عن نفسه بأنه هو المسيا.
نقرأ في كتاب التكوين، الفصلان 1و2، كيف خلق الله السموات والأرض وكل ما فيها. وما له دلالة أيضا ما نقرأه بعد أن أكمل الله عملية الخلق هذه:
ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً. وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً. (تكوين 31:1)
ففي بداية الكتاب المقدس بالذات ، نقرأ أن خليقة الله كانت حسنة ـ لقد سُرِّ بما عمله. هذا جانب حياتي من القصة اليهودية ـ المسيحية للبدايات؛ إن الله لا يقسم الأشياء إلى "روحية جيدة" و"أرضية رديئة"، فتلك طريقة في التفكير توجد في بعض الديانات اليوم. بعض الأشخاص المتدينين يظنون أن الحياة كلها تدور حول جهد الانسان ليعمل ما يرضي الله، بحيث يستطيع أن ينجو ويذهب إلى "مكان أفضل" (الفردوس أو السماء). إلا أن التكوين لا يقول هذا. الأشياء المخلوقة ليست رديئة، بالحقيقة الكون كله جيد —الخليقة كما عملها الله،كانت شيئا حسناً جداً.
لكن ما يأتي بعد ذلك ذو أهمية عظمى لنفهم الرواية اليهودية بشكل عام وبشكل خاص هنا لنفهم ما هو مفهوم يسوع عن دوره المسياني. فما إن انتهى الله من بقية الخليقة حتى خلق الرجل والمرأة:
ثم قال الله "نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طيرالسماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض."
فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم. (تكوين 26:1-27)
خلق الله الرجل والمرأة، أوج خليقته بالذات بحسب الكتاب المقدس؛ ولكن الجزء الحياتي من الرواية هو أن الجنس البشري خلق على صورة الله. نتجت عن فقدان هذه الصورة نتائج جماعية — فهي تجعلك تسيء فهم الله وتسيء فهم البشرية وتسيء فهم يسوع. من حين لآخر يسأل بعض المسلمين أسئلة كهذه "كيف يمكن أن يكون البشر على صورة الله ـ الله مختلف اختلافا مطلقا عن خليقته؟ " لكن هذه القصة لا تتحدث عن الخلط بين الخليقة وخالقها. لست أعرف عالما يهوديا أو عالما مسيحيا يكتب اليوم ويمكن أن يقول إن هذه الآية توحي بأن البشر سماويون بشكل من الأشكال. إن صورة الله تخبرنا بالأحرى عن دورالكائنات البشرية في خليقة الله. فكما كان أي ملك من الملوك القدماء يضع تماثيله أو صوره في أمبراطوريته من أولها إلى آخرها، لكي يؤكد لرعاياه أن سلطته هي الأسمى، فإن الكائنات البشرية صورة الله:
"قُدِّر لآدم أن يمثل الََلَََّه في خليقته" 1
عندما يخلق الله الرجال والنساء على صورته "لا يقصد أن يكونوا مثله، أو أن يكون من نفس طبيعته. بل يقصد بالأحرى نوعاً من امتداد شخصيته الخاصة، وجزءاً أساسياً من نشاطه في العالم. فهم ممثلوه." 2
إن فكرة كون الكائنات البشرية على صورة الله أو كونها ممثلة له تسري خلال الكتاب المقدس بكامله كخيط ذهبي. لماذا يمنع الله الكائنات البشرية من القتل؟ لأن البشر مخلوقون على صورة الله (تكوين 6:9). لماذا يهتم الله كثيراً بأن يحيا البشر حياة خالية من الخطية وبارة؟ لكي يتمكنوا من تمثيله بحق ضمن خليقته؛ الله كامل ولذلك يتوقع من ممثليه أن يعكسوا ذلك الكمال بدقة. (مثلا متى 48:5).
غير أن الجزء التالي من التكوين يتحث عن عصيان آدم وحواء لأمر الله وقطعهما العلاقة بين الجنس البشري وبين الله. مرة أخرى استعار القرآن (سورة 30:2- 39) القصة الكتابية، لكن فاته عدد كبير من النقاط البالغة الأهمية. فلم تكن النتيجةُ الوحيدة لعصيان الزوجين الأولين أمرَ الله انفصالَ البشر عنه فحسب بل كانت أيضا عطبَ الخليقة ذاتها؛ رأينا كيف كان آدم وحواء قمة خليقة الله ، كانا ممثلي الله فيها. فهما لم يخيبا الله بارتكاب خطيتهما فحسب، لكنها فشلا في مسؤوليتهما تجاه الخليقة أيضا:
ملعونة الأرض بسببك؛ بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك؛ شوكاً وحسكاً تنبت لك؛ وتأكل عشب الحقل. (تكوين 17:3-18).
ومع الخطية جاء الموت البشري أيضا، لأول مرة، كما حذر الله (تكوين 17:2)
إلى أن تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود. (تكوين 19:3)
في الكتاب المقدس فكرة مركزية وهي أن الجنس البشري والخليقة مرتبطان بصورة لا تقبل الانفصال. وخلافاً لما رواه القرآن وهو أن الله وضع آدم وحواء في جنة سماوية من نوع ما، وعندما أخطئا طرحا إلى الأرض (سورة 24:7). فهو بالأحرى خلق البشر ليكونوا مسؤولين عن بقية الخليقة ويعتنوا بها، ليكونوا ممثليه فيها. وخلافاً للقرآن لا يصورالكتاب المقدس الجنة كمكان أرضي آخر بعيد عن الحقيقة، بل يتحدث عن قيام الله بإعادة الخليقة كلها إلى الطريق التي قصدها لها.
آدم وإسرائيل وانسانية الله الحقيقية
الخليقة وخطية آدم هما مجرد بداية القصة اليهودية التي يلزمنا أن نفهمها إذا كنا نريد أن نصل إلى فهم عقلية يسوع . لقد قصد الله أن يكون أفراد الجنس البشري كافة ممثلين له، لكنهم فشلوا في هذه المهمة. وهكذا تجري قصة الجنس البشري فتصل إلى شخص ابراهيم (أو أبرام كما كان يدعي قبلما التقى بالله). كانت لدى الله خطة خاصة من أجل ابراهيم، عندما دعاه ليترك أرضه ويسافر إلى بلاد جديدة:
قال الله لإبراهيم "سأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك. وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه؛ وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض." (تكوين 1:12-3)
هذا الوعد لإبراهيم أساسي لبقية العهد القديم ولما فهمه يسوع عما عناه أن يكون المسيا. بالحقيقة يستطيع المرء أن يتتبع تاريخ فقد المسلم ليسوع رجوعاً إلى إبراهيم نفسه. افهم ما وعد الله ابراهيم وكيف تحقق ذلك، أي مقاصد الله من وراء الوعد الذي أعلنه العهد القديم، فتكون في الطريق الصحيح المؤدي إلى يسوع. كان هذا الوعد لإبراهيم من الأهمية بمكان بحيث أن الله كرره له في عدد من المناسبات وعبر عن تفاصيله ومقتضياته:
قال الله لإبراهيم "اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم ويستعبدون لهم. فيذلونهم أربع مئة سنة . ثم الأمة التي يستعبدون لها أنا أدينها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة." (تكوين 13:15-14)
وعد الله إبراهيم بأن يجعله أمة عظيمة عن طريق اسحاق، الابن الذي طال انتظاره. وهي أمة سوف تستعبد في الواقع؛ إن قصة معاملة المصرييين السيئة لإسرائيل ثم إنقاذ الإسرائليين من قبل الله هي واحد من أهم موضوعات العهد القديم. كلن السؤال الرئيسي الذي ُيسأل هنا هو لماذا؟ لماذا اختار الله أن يجعل ابراهيم أمة، وليّؤمن له ولزوجه سارة ابناً هو اسحاق، ليحقق ذلك. ماذا يعني أن كل قبائل الأرض سوف تتبارك بإسرائيل؟ هذه أسئلة هامة، وتتعلق بدورإسرائيل في خطط الله ومقاصده كما أظهرت في العهد القديم. 3 يجيبنا الكتاب كالمقدس عن هذا السؤال بوضوح في عدد من المواضع، وفيما يلي بعض الآيات الرئيسية:
عندما كان اسرائيل غلاما أحببته، ومن مصر دعوت ابني. (هوشع 1:11)
وواعدك الرب اليوم أن تكون له شعباً خاصاً، كما قال لك، وتحفظ جميع وصاياه، وأن يجعلك مستعلياً على جميع القبائل التي عملها، في الثناء والاسم والبهاء، وأن تكون شعباً مقدساً للرب إلهك كما قال. (تثنية 18:26-19)
وقال الله لي "أنت عبدي، إسرائيل الذي به أتمجد. قليل أن تكون لي عبداً لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل؛ فقد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض." (أش 3:49، 6).
فماذا نرى في هذه الآيات وفي العهد القديم كله من أوله إلى آخره؟ نرى أن الله قد اختار إسرائيل ليكونوا شعبه الخاص، ولكي يكونوا مقدسين ومفرزين، وبقدر مهم جداً، لكي يكونوا نوراً لبقية أمم الأرض. عد بفكرك إلى ما رأينا بخصوص آدم وحواء، وكيف خلقهما الله ليكونا ممثلين عنه. العهد القديم يعلم أن هذا الدور قد مر عبر إبراهيم إلى إسرائيل. وكما عبر عن ذلك توم رايت العالم الكبير المختص بالكتاب المقدس:
"إن دور إبراهيم وعائلته، إلى حد ما، هو دور آدم وحواء... يمكن أن نلخص هذ االجانب من تكوين بالقول "إسرائيل هي انسانية الله الحقيقية." 4
"إن لاهوت العهد اليهودي يدعي بأن الله لم يُحبَط من جراء عصيان خليقته بصور يتعذر إصلاحها، لكنه أوجد شعباً سيعمل من خلاله ليرد خليقته ... إسرائيل ستكون الشعب الذي من خلاله سيبارك الخالق خليقته مرة أخرى." 5
رجاء أمة
إلا انه كما عصى آدم وحواء الله هكذا فعل إسرائيل أيضا. فالشعب الذي دعاه الله إليه ليكونوا له رجالا ونساء، ليرى بقية العالم من خلالهم مجده، سقطوا في خطيئة العصيان. وتروي الكتب النبوية من العهد القديم مرة بعد مرة كيف دعا الله شعبه اسرائيل، عن طريق الأنبياء ليرجعوا إلى تلك العلاقة معه مما يعني أنهم يمكن أن يتمموا ما قصدالله لهم ويمكن أن ترى بقية العالم الله معلناً من خلالهم. وبحسب كلمات النبي إرميا:
ارجعي، أيتها العاصية إسرائيل، يقول الرب. لا أوقع غضبي بكم، لأني رؤوف، لا أحقد إلى الأبد. اعرفي فقط اثمك، إنك إلى الرب إلهك أذنبت وفرقت طرقك للغرباء تحت كل شجرة خضراء ولصوتي لم تسمعوا يقول الرب.
ارجعوا أيها البنون العصاة يقول الرب؛ لأني سُدْ تُ عليكم فآخذكم واحداً من مدينة واثنين من عشيرة، وآتي بكم إلى صهيون. وأعطيكم رعاة حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم.
ويكون إذ تكثرون وتثمرون في الأرض، في تلك الأيام، يقول الرب، أنهم لا يقولون بعد، تابوت عهد الرب. ولا يخطر على بال ولا يذكرونه ولا يتعهدونه ولا يصنع بعد.
في ذلك الزمان يسمون أورشليم كرسي الرب ويجتمع إليها كل الأمم إلى اسم الرب إلى أورشليم ولا يذهبون بعد وراء عناد قلبهم الشرير. (إرميا 12:3-17)
لاحظ الأمثلة عن كل الموضوعات التي نافشناها حتى الآن. إسرائيل تمرد وعصى الله، وخلال ذلك العصيان اختفى أحد أهم الموضوعات الدينية لديهم ـ لقد فقد تابوت العهد. الآن أمة إسرائيل في السبي، ومع ذلك ما نسيهم الله . الوعد واضح ـ إذا كفوا عن تمردهم ورجعوا إلى الله، فأنه سوف ينفذ وعوده وينجحهم. سوف تجتمع كل الأمم إلى إسرائيل، لأنهم عن طريقها سوف يختبرون قوة الرب نفسه. مثل هذا الوعد هو الذي أبقى شعب الله راجين ومصلين إبان السنوات الطويلة، سنوات الظلم والسبي، والاضطهاد.
هكذا قال رب الجنود : "سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة. وسكان واحدة يسرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهاباً لنترضى وجه الرب ونطلب رب الجنود. أنا أيضا أذهب. فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب" (زكريا 20:8-22)
بحلول القرن الأول وهي الفترة التي عاش فيها يسوع، كانت إسرائيل قد عاشت خلال سبي واحد، عندما أنفّّذ الله ما وعد به من قبل واستخدم البابليين لمعاقبة شعبه. ولكن الآن كانت إسرائيل تعيش تحت حكم ظالم آخر ـ حَكَمَ الرومانُ فلسطين وبدا ذلك لليهود الذين ما زالوا أوفياء لله، كأنهم كانوا يعيشون في السبي مرة أخرى. لكن العهد القديم كان واضحا جدا ـ سوف لا يترك الله شعبه لمصيرهم السيء، لكنه سيتدخل في يوم قريب، بصورة درامية في التاريخ ليبرئ إسرائيل وينقذها. مثلما فعل عندما أنقذهم في أيام موسى، قبل الآن بألف سنة. لاحظ في هذا المقطع من كتاب أشعياء النبي كيف ذكَّر الله شعبه بالوقت الذي كانوا فيه في مصر، ووعد بخطة إنقاذ جديدة ـ نوع جديد من الخروج. وعندما يتصرف الله لإنقاذ شعبه إسرائيل، كل أمم الأرض سترى خطة الخلاص التي أعدها الله قيد التنفيذ...
أنه هكذا قال السيد الرب. "إلى مصر نزل شعبي أولا ليتغرب هناك. ثم ظلمه أشور بلا سبب. فالآن ماذا لي هنا؟" يقول الرب "حتى أخذ شعبي مجانا." المتسلطون عليه يصيحون يقول الرب ودائماً كل يوم اسمي يهان. لذلك يعرف شعبي اسمي. لذلك في ذلك اليوم يعرفون أني أنا هو المتكلم. هأنذا."
ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك. صوت مراقبيك. يرفعون صوتهم يترنمون معاً لأنهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب إلى صهيون. أشيدي ترنمي معاً يا خرب أورشليم لأن الرب قد عزى شعبه فدى أورشليم. قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا. (أشعياء 4:52-10)
لقد شكلت مقاطع كهذه وردت في نبؤات زكريا وإرميا وأشعياء العمود الفقري لرجاء متحمس كان جزءاً مركزياً في يهودية القرن الأول. فلكي تفهم يسوع يلزمك أن تفهم هذه الفكرة الرئيسية. كان اليهود في زمانه يعيشون على رجاء هائل. كانوا يعرفون أن الله وعد بأن يقوم بإنقاذهم مرة أخرى، وردهم بحيث يكونون شعب إسرائيل الذي أراده الله. لسوف يرُدُّ مصاير إسرائيل بحيث ترى بقية العالم قوة الله وسلطانه متجليين من خلال شعبه المختار. كان هذا رجاء هائلاً وكان كله مركزاً على شخص المسيا. فالمسيا هو الذي سيستخدمه الله لرد إسرائيل، ولدحر الرومان، ولجعل حكمه القوي يسود الأرض كلها:
هذا إذًا كان رجاء اسرائيل. وقد كان رجاء قوياً. كانت جذوره تمتد رجوعا إلى هويتهم الوطنية والدينية. وكان هذا الرجاء يتغذى بالاعتقاد بأن السيد الرب في يوم من الأيام سوف يرد مصاير إسرائيل. مثل هذا الحدث سيتم من خلال الأمة بعامة وبوساطة قائده المختار، الممسوح، المسيا بخاصة.
فإلههم سوف ينقذهم ويردهم ويحول إلى خير كل الأسى واليأس والكآبة التي عانوا منها زمنا طويلا. لقد عانوا من الظلم تحت حكم أمة إثر أمة، لكن الرجاء ظل قائماً. وهو رجاء قومي جماعي متوقف على شخصية معينة. تلك الشخصية ستكون مخلصهم. وستكون أفعاله الدليل القاطع عمن هو. وما أمكن تحقيقه سوف يحدث بفضل قوة تمنح من قبل روح الله ذاته. سيكون هناك مَسْحٌ من قبل روح الله. فالفرد الذي ينطبق عليه كل ذلك سيكون "الممسوح". الكلمة العبرية المستخدمة هنا هي "المسيا" والكلمة اليونانية هي Christ الممسوح. 6
لاحظ الكلمات المكتوبة بخط غامق. هناك أمر رئيسي يجب تذكره بخصوص كلمة "مسيا" وهو أن هذه كانت بنظر يهودي من القرن الأول، كيسوع، كلمة عملية جدا. فلقب المسيا يناله شخص معين بفضل ما عمله. لهذا أمضينا كل هذا الوقت لترسيخ القصة اليهودية في الكتاب المقدس حتى مرحلة يسوع. وسبب ذلك إنه من وجهة النظر الكتابية كان على المسيا أن يعمل ما يلي:
1. يعيد اسرائيل بحيث أن مجد الله ينعكس على شعبه المختار.
2. إن إسرائيل المعاد سوف يعمل ما كان ينبغي على آدم أن يعمله، بوصفه ممثل الله.
وهكذا فإن إسرائيل المعادة على الوجه الصحيح ستكون بالحقيقة إنسانية معادة على الوجه الصحيح؛ فالخطيئة التي ارتكبها آدم وحواء وحطمت العلاقة بين الجنس البشري وبين الله، والتي أفسدت الخليقة الكاملة التي أبدعها الله، سوف تنعكس عندما يعمل الله بوساطة مسيحه.
فما الذي فعله يسوع بخصوص مفهوم المسيا هذا، وهي كلمة تعلقت عليها الآمال طوال ما يزيد عن ألف عام من تاريخ العهد القديم؟ الجواب هو، لقد فعل يسوع الشيء الكثير بالحقيقة.
يسوع ودور "المسيا"
يتفق المسلمون والمسيحيون في أن يسوع فهم أنه هو المسيا. ولكن ما فعلناه حتى الآن في هذه المقالة هو أننا فحصنا ماذا كان معنى "المسيح" في نظر يهودي من القرن الأول. لقد سبب القرآن للمسلمين ضرراً بالغاً لأنه لم يشرح معنى "المسيح"، إذ بدون هذه الخلفية، لن تفهم أهمية يسوع أو تفرده. فيما يلي أحد أهم المقاطع في الكتاب المقدس الذي يتحث فيها يسوع عن كونه المسيح:
ثم خرج يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس. وفي الطريق سأل تلاميذه قائلا لهم، "من يقول الناس إني أنا؟" فأجابوا، "يوحنا المعمدان؛ وآخرون إيليا. وآخرون واحد من الأنبياء." فقال لهم، "وأنتم من تقولون إني انا؟". فأجاب بطرس وقال له، أنت المسيح. فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه.
وابتدأ يعلمهم أن ابن الانسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل. وبعد ثلاثة أيام يقوم. وقال القول علانية. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره. فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلا ، "اذهب عني ياشيطان. لأنك لاتهتم بما لله لكن بما للناس." (مرقس 27:8-33)
هذا المقطع مهم لعدد من الأسباب. أولاً، إن جواب التلاميذ عن سؤال يسوع لهم (من يقول الناس إني أنا؟) أظهر مجالا واسعا من الأفكار التي كان يفكر فيها الناس عن يسوع. إن الأفكار المختلفة عمن هو يسوع (مثلما يختلف المسيحيون والمسلمون اليوم) لم تكن أمراً جديداً، لكنها بدأت إبان خدمة يسوع نفسه. يبدو أن الفكرة الشائعة آنئذ هي أن يسوع كان نبياً مشهوراً قام من الأموات، ربما يوحنا المعمدان (الذي كان الملك هيرودس قد أعدمه مؤخراً)، أو إيليا. لكن يسوع رفض تلك الإجابات، وألح في سؤال التلاميذ ـ "وأنتم من تقولون إني أنا؟" أجابه بطرس بوضوح إن يسوع هو المسيا.
الأمور تسير سيراً حسناً إلى الان. ولكن لاحظ ما حدث بعد ذلك. بدأ يسوع يذكر بإيجاز بعض الأمور التي يجب أن تحدث للمسيا، كما يفهم هو حقيقة الأمر وليس كما يفهمه الناس العاديون. أن المؤسسة الدينية في ذلك الوقت سوف ترفضه، وتقتله، لكنه سوف يقوم بعدئذ من الأموات. كان هذا أكثر مما يستطيع بطرس تحمله. ففي ذهن بطرس لا يجوز أن يكون القتل مصير المسيح. ليس من الواضح ماذا كان بطرس يفكر في المسيا، ولكن يبدو أمرا كثير الاحتمال أنه كان يؤمن، مع كثيرين من يهود القرن الأول، بأن المسيا سيكون قائداً عسكرياً به يُدحَرُ الرومان وبه يُبرَأُ شعب الله. ربما كانت هذه الفكرة، عما سيكونه المسيا، الفكرة الأكثر شعبية في القرن الأول، ومع ذلك فقد بذل يسوع كل جهد مستطاع ليفصل نفسه عنها. ففهمه لما يعني أن يكون هو المسيا لم يتضمن أبدا فكرة قيادة حملة عسكرية ضد الرومان:
فقال لهم يسوع "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". (متى 21:22)
حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون." (متى 50:26-52).
أجاب يسوع [مخاطبا بيلاطس]: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلَّم إلى اليهود. لكن الآن ليست مملكتي من هنا."
فقال له بيلاطس ، "أفأنت إذًا ملك !"
أجاب يسوع "أنت تقول إني ملك [أنت محق في قولك إني ملك]" (يوحنا 36:18-37)
فإذا كان يسوع قد رفض تفسيراً سياسياً رفيعاً لمعنى كونه المسيح (التفسير الشعبي، الذي كان يسعى للإطاحة بالرومان بقوة وجلب ملكوت الله بالعنف) فما الذي فهمه من تعبير "المسيح"؟ كيف فسر يسوع معنى "المسيح" في ضؤ القصة العبرية بكاملها التي درسناها حتى الآن؟ هذه هي النقطة الحرجة التي يحتاج المسلمون إلى إدراكها. عندما تتحدث عن يسوع ، فأيا كان فهمك له فأنت بحاجة إلى أن تدرك قصة آدم والخليقة، وقصة إسرائيل وإنسانية الله الحقيقية، وبحاجة إلى أن تفهم وعود الله لشعبه بأن يخلصهم ويحامي عنهم/ يبرئهم، ليستخدمهم نوراً يجذب به الامم إليه. ما الذي قاله يسوع عن فهمه للمسيا؟ للإجابة عن هذا السؤال يلزمنا أن ننظر إلى أول مناسبة عامة حيث أعلن يسوع، أمام سامعيه الواعين، أنه هو مسيا إسرائيل الموعود:
وجاء يسوع إلى الناصرة حيث كان قد تربى . ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ . فدفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه:
"روح الرب علي،
لأنه مسحني لأبشر المساكين،
أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق
وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية،
وأكرز بسنة الرب المقبولة."
ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم. وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم هذ المكتوب في مسامعكم. (لوقا 16:4-21)
لا بد أن تكون كلمات يسوع قد أصابت أول من سمعوه بالصدمة، ولكننا بعد مرور ألفي سنة فقدنا شيئا من تأثير تلك الصدمة. "اليوم تم هذا المكتوب في مسامعكم." لم يكن يسوع يقتبس مقطعا من العهد القديم لا على التعيين، بل كان يقرأ من أشعياء 1:61-2. هذا المقطع هام جداً لأنه يتحدث عن عدد كبير من الموضوعات الرئيسية التي رأيناها أثناء دراستنا لقصة العهد القديم العبرية. فيما يلي كامل المقطع الذي قرأ يسوع نتفاً منه في ذلك اليوم في مجمع الناصرة:
روح الرب علي،
لأن الله مسحني لأبشر المساكين،
أرسلني لأعصب منكسري القلوب،
لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق.
لأنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا،
لأجعل لنائحي صهيون لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد
ودهن فرح عوضاً عن الروح اليائسة،
فيدعون أشجار البر
غرس الرب للتمجيد.
ويبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الأول ويجددون المدن الخربة موحشات دور فدور.
ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم.
أما أنتم فتدعون كهنة الرب
تُسَمّون خدام إلهنا.
تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون.
عوضاً عن خزيكم ضعفان
وعوضاً عن الخجل يبتهجون بنصيبهم؛
لذك يرثون في أرضهم ضعفين،
وبهجة أبدية تكون لكم.
لأني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم.
وأجعل أجرتهم أمينة [بأمانتي سوف أجازيهم]، وأقطع لهم عهداً أبدياً.
ويعرف بين الأمم نسلهم، وذريتهم في وسط الشعوب.
كل الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب. (أشعياء 1:61-9)
ككل مقاطع العهد القديم التي درسناها، يتحدث إشعياء 1:61- 9 عن قيام الله بصورة دراماتية بتبرئة شعبه وتخليصهم، جاعلا كل الأمم تتطلع إليهم لترى ما فعله الله. وعندما اقتبس يسوع هذا المقطع قال، "اليوم تم هذا المكتوب في مسامعكم" ما قاله يسوع هو هذا ـ إن الوعود التي كنتم ترجونها وتتوقون إليها وتصلون لأجلها تتحقق. لم يكن يسوع يقترح مسيانية سياسية، ترى الإطاحة بالرومان غاية بذاتها. لقد كان مهتماً بأمر مختلف تماماً؛ ألا وهو تحقيق تلك الوعود القديمة العهد التي وعد بها الله بخصوص شعبه. قصد الله أن تُمثِّل اسرائيل إنسانية الله الحقيقية السوية، كما كان مفروضاً أن يفعل آدم، وقد وعد الله بأن يحقق ذلك. كان يسوع يقول إن الانتظار قد انتهى وأن ذلك يحدث الآن. وكما سنرى في جزء لاحق من هذه السلسلة، إن الأمر الجذري الأهم في حديث يسوع هو أنه قال أن وعود الله هذه كانت في طريقها لتتحقق فيه ومن خلال حياته هو وخدمته. وما فهمه من معنى أنه كان المسيح يمكن تلخيصه فيما يلي:
"إن إعلان "يسوع " بأكمله عن ملكوت الله يشير إلى أنه آمن بأن الملكوت قائم حيث هو موجود، والملكوت فعال من خلاله شخصياً. آمن يسوع بأن مصير اسرائيل يتحقق في حياته، وأنه كان عليه أن يحارب معارك أسرائيل، وأن عليه أن يدعو اسرائيل إلى أن تعيد تجمعها وتجد هوية جديدة يكون هو مركزها... آمن يسوع إذا أنه هو النقطة البؤرية لشعب الله، الشعب العائد من السبي، شعب العهد المجدد، الشعب الذي ستغفر خطاياه الآن" 7
في الجزء الأول من "البحث عن يسوع المفقود"، بيّنّا لماذا لا يمكن أن يكون محمد نبياً جاء بعد يسوع، إلا إذا رفض المرء كل ما آمن به يسوع ومثّله. أما وقد بدأنا نفحص ما تعنيه المسيانية، أي ما كان يفكر فيه يسوع وما كان يعمله بناءاً على ادعائه بأنه المسيا، فإننا نرى هذه الفكرة بوضوح أكثر. إذا كان يسوع محقاً، وكان بالحقيقة مسيا إسرائيل، فلن يكون هناك أنبياء بعده. لن تكون هناك حاجة إلى ذلك. أن مثل الكرمة الذي رواه يسوع (والذي اقتبس بكامله في المقالة السابقة) ينسجم تماماً مع هذا. فهم يسوع أن وظيفته كمسيا كانت إتمام تاريخ إسرائيل، ليختم قصة الله التي بدأها بالخليقة وليتمم رغبة الله في إيجاد انسانية تمثله بدقة ضمن تلك الخليقة.
كانت وظيفة المسيا أن يرد إسرائيل إلى أن تكون الإنسانية الحقيقية التي هدف إليها من وراء دعوة إسرائيل، فيعرف العالم، عن طريق إسرائيل، من هو الله ويأتي إلى الله فيخلص. خطة كهذه لا مكان فيها لأنبياء لاحقين، لأن الله لم يخطط لذلك أبداً. كان يسوع أوج تعامل الله مع العالم، ورد إسرائيل الحقيقي لتكون شعبه، لكي تراه كل أمم العالم ممثلا في ذلك الشعب الحقيقي. وما هي شارة العضوية في شعب الله الحقيقي بحسب اعتبار يسوع؟ الأمر يتوقف على طريقة استجابتك شخصياً له:
قال له يسوع، "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء. وتعال اتبعني". (متى 21:19)
"لأنه لم يرسل لله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد." (يوحنا 17:3-18)
إذا كان يسوع هو المسيح حقاً، وإذا كان قد أنجز ما شرع يفعله، يكون الله قد تصرف في العالم بطريقة درامية ـ وأن يكون المرء أو لا يكون جزءاً من إنسانية الله الحقيقية، أي "إنسانا سويِّا " لا انساناً محطماً، مأسوراً في فخ العصيان والخطية، إنما يتوقف على استجابة المرء لمسيح الله يسوع. الله يوجه دعوة مفتوحة إلى كل العالم ليستجيب ليسوع.
بعد ظهور الجزء الأول من هذه السلسلة في الشهر الماضي، تلقيت رسائل بالبريد الإلكتروني من مسلمين يسألون عن أفضل طريقة لدراسة المزيد عن يسوع الناصري التاريخي. للإجابة عن هذا السؤال أقترح ما يلي:
اقرأ العهد الجديد وتوصل إلى فهم يسوع. وتوخياً لسهولة القراءة أنصحك (كما أنصح عادة) بالبدء بإنجيل لوقا، ثم انتقل إلى إنجيل متى، وبعدئذ اقرأ إنجيل مرقس ويوحنا. وبينما تقرأ تسائل باستمرار "لماذا يقول يسوع هذا أو يفعل ذلك؟ " بعبارة أخرى ، حاول أن تنخرط في النص وتستجيب له. لم تكتب الأناجيل لتقرأ بطريقة أكاديمية جافة؛ لكنها مصممة بحيث تجعل قصة يسوع نابضة بالحياة. إذا لم يكن في متناول يديك كتاب مقدس، يمكنك أن تقرأ كتابا مقدسا منشورا على الأنترنت.
للحصول على معلومات عملية عن كيفية دراسة الكتاب المقدس ورسالة الأنبياء، ألق نظرة على هذا الموقع على الشبكة الأنترنت كتب خاصة لمساعدة المسلمين، آخذاً بالحسبان أنهم ربما لم يحاولوا قط من قبل قراءة الكتاب المقدس بأنفسهم.
يمكن الاطلاع على مدخل لدراسة يسوع الناصري التاريخي في كتاب The Challenge of Jesus لمؤلفه N.T Wright ومع أنه كتاب في مستوى أكاديمي معتدل، فإنه أبسط من الصفحات ال1200 الأخرى التي كتبها رايت عن يسوع. إنه حالياً من أبرز علماء العالم عندما يتعلق الأمربدراسة يسوع وهذه السلسلة من المقالات تعتمد على عمله. يمكنك أن تحصل على نسخة من هذا الكتاب من أي مكتبة جيدة، مثل أمازون.
البحث عن يسوع المفقود سلسلة جديدة منتظمة على موقع الرد على الإسلام سيحاول الكاتب أن يقدم مقالات جديدة ضمن هذه السلسلة بمعدل مقالة واحدة كل 8 أسابيع. في غضون ذلك إن كانت لديك أسئلة أو تعليقات، أرجو ان تشعر بملء الحرية في مراسلتى باللغة الأنجليزية على عنواني andybannister(at)mac.com ومع أنني مشغول جداً وقد لا أتمكن من الرد على رسالتك مباشرة، لكنني دوما سأرد على أي رسائل ألكترونية بأسرع ما يمكنني ذلك. شكراً لأجل قراءتك للمقال وأصلي إلى الله ليقودك بينما تسعى إلى دراسة واكتشاف المزيد عمن كان يسوع حقاً.
تذييلات ومراجع
1. Graham McFarlane, Why do you believe what you believe about Jesus? (Carlisle: Paternoster Press, 2000) p77.
2. John Drane, Introducing the Old Testament (Oxford: Lynx, 1987) p250.
3. عندما تقرأ حديثي في هذه المقالة عن "إسرائيل" حذار من أن تخلط كلمة إسرائيل مع سياسة اسرائيل الدولة اليوم . فهذان مفهومان مختلفان كل الإختلاف. "إسرائيل" في الكتاب المقدس تشير إلى الأمة التي أقامها الله عن طريق إبراهيم، والتي دعاها لتكون شعبه الخاص، الذي يعلن الله للعالم. وكما سنرى في جزء لاحق من هذه السلسلة، أعاد يسوع تعريف تعبير" اسرائيل". لكن في أذهان عدد كبير من المسلمين توجد عدة دلالات إضافية لإسرائيل، غير مقصودة أصلاً، وعلينا أن نبدأ بصفحة بيضاء لكي نبين حقيقة القرن الأول.
4. N T Wright, The Climax of the Covenant (Edinburgh: T & T Clark, 1998) 22-23.
5. N T Wright, The New Testament and the People of God (London: SPCK, 1992) 260-262.
6. McFarlane, 44.
7. N T Wright, Jesus and the Victory of God (London: SPCK, 1999) 530-539.